سورة إبراهيم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{يَتَجَرَّعُهُ} يشربه جرعة جرعة {وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة كقوله: {لم يكد يراها} [النور: 40] أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ} أي أسباب الموت من كل جهة أو من كل مكان من جسده وهذا تفظيع لما يصيبه من الآلام أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكاً {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} لأنه لو مات لاستراح {وَمِن وَرَائِهِ} ومن بين يديه {عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذاباً أشد مما قبله وأغلظ. وعن الفضيل هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد.
{مَثَلُ الذين} مبتدأ محذوف الخبر أي فيما يتلى عليكم مثل الذين {كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ} والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وقوله {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول: كيف مثلهم فقيل أعمالهم كرماد {اشتدت بِهِ الريح} {الرياح} مدني {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} جعل العصف لليوم وهو لما فيه وهو الريح كقولك: (يوم ماطر)، وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام وعتق الرقاب وفداء الأسرى وعقر الإبل للأضياف وغير ذلك شبهها في حبوطها لبنائها على غير أساس وهو الإيمان بالله تعالى برماد طيرته الريح العاصف {لاَّ يَقْدِرُونَ} يوم القيامة {مِمَّا كَسَبُواْ} من أعمالهم {على شَيْءٍ} أي لا يرون له أثراً من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شيء {ذلك هُوَ الضلال البعيد} إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب {أَلَمْ تَرَ} ألم تعلم الخطاب لكل أحد {أَنَّ الله خَلَقَ السماوات والأرض} {خالق} مضافاً حمزة وعلي {بالحق} بالحكمة والأمر العظيم ولم يخلقها عبثاً {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أي هو قادر على أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقاً آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم إعلاماً بأنه قادر على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم.


{وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بمتعذر.
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا} ويبرزون يوم القيامة وإنما جيء به بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عز وجل لصدقه كأنه قد كان ووجد. ونحوه {وَنَادَى أصحاب الجنة} [الأعراف: 44] {ونادى أصحاب النار} [الأعراف: 50] وغير ذلك، ومعنى بروزهم لله والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز لهم أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية، أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه {فَقَالَ الضعفاء} في الرأي وهم السفلة والأتباع وكتب الضعفاء بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو {لِلَّذِينَ استكبروا} وهم السادة والرؤساء الذين استغووهم وصدوهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} تابعين. جمع تابع على تبع كخادم وخدم وغائب وغيب أو ذوي تبع والتبع الأتباع يقال: تبعه تبعاً {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ} فهل تقدرون على دفع شيء مما نحن فيه. و{من} الأولى للتبيين والثانية للتبعيض كأنه قيل فهل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله أو هما للتبعيض أي فهل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله ولما كان قول الضعفاء توبيخاً لهم وعتاباً على استغوائهم لأنهم علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم {قَالُواْ} لهم مجيبين معتذرين {لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ} أي لو هدانا الله إلى الإيمان في الدنيا لهديناكم إليه أو لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} مستويان علينا الجزع والصبر والهمزة وأم للتسوية. روى أنهم يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر ثم يقولون {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} واتصاله بما قبله من حيث إن عتابهم لهم كان جزعاً مما هم فيه فقالوا لهم: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها يقولون: ما هذا الجزع والتوبيخ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر {مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} منجى ومهرب جزعنا أم صبرنا، ويجوز أن يكون هذا من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعاً.


{وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر} حكم بالجنة والنار لأهليهما وفرغ من الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ورُوي أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيباً. على منبر من نار فيقول لأهل النار {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق} وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم {وَوَعَدتُّكُمْ} بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء {فَأَخْلَفْتُكُمْ} كذبتكم {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان} من تسلط واقتدار {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ} لكني دعوتكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني والاستثناء منقطع لأن الدعاء ليس من جنس السلطان {فاستجبتم} فأسرعتم إجابتي {فَلاَ تَلُومُونِي} لأن من تجرد للعداوة لا يلام إذا دعا إلى أمر قبيح مع أن الرحمن قد قال لكم: {لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة} [الأعراف: 27] {وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} حيث اتبعتموني بلا حجة ولا برهان وقول المعتزلة هذا دليل على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه وليس من الله إلا التمكين ولا من الشيطان إلا التزيين باطل لقوله: لو هدانا الله أي إلى الإيمان {لهديناكم} [إبراهيم: 21] كما مر {مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} لا ينجي بعضنا بعضاً من عذاب الله ولا يغيثه. والإصراخ الإغاثة {بمصرخيِّ} حمزة اتباعاً للخاء غيره بفتح الياء لئلا تجتمع الكسرة والياءان بعد كسرتين وهو جمع مصرخ فالياء الأولى يا الجمع والثانية ضمير المتكلم {إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ} وبالياء بصري و{ما} مصدرية {مِن قَبْلُ} متعلق ب {أشركتموني} أي كفرت اليوم بإشراككم إياي مع الله من قبل هذا اليوم أي في الدنيا كقوله {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} [فاطر: 14] ومعنى كفره بإشراكهم إياه تبرؤه منه واستنكاره له كقوله: {أَنَاْ بَرَاء مّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ} [الممتحنة: 4] أو من قبل متعلق {بكفرت} و{ما} موصولة أي كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي أشركتمونيه وهو الله عز وجل. تقول: أشركني فلان أي جعلني له شريكاً، ومعنى إشراكهم الشيطان بالله طاعتهم له فيما كان يزينه لهم من عبادة الأوثان وهذا آخر قول الشيطان وقوله: {إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قول الله عز وجل. وقيل: هو من تمام إبليس وإنما حكى الله عز وجل ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون لطفاً للسامعين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7